الخلط بين مسمى الرسول و مسمى النبي


قال:و هنا لابد من إظهار الفرق بين كلمتي الرسول و النبي اللتين يتم الخلط بينهما عمداً أو سهواً! فسيدنا محمد بن عبد الله رجل يحمل صفتين معاً هما صفة الرسول ( من الرسالة) و صفة النبي (من النبوة) تماما كما يحمل أحدنا اليوم صفتين في عمله كأن يكون مهندساً و مديراً للعلاقات العمامة.
قلتُ:هذه المقدمة هي تكملة لما بدأه زكريا و تندرج في باب الطعن في السنة النبوية؛فالتفريق بين الصفتين المذكورتين بهذه الطريقة لم يسبقه إليها أحد،و لا يراد منها علم سوى التلبيس على العامة.
و هذا الاستدلال من القياس الفاسد؛ فالنبي أو الرسول ليس موظفاً في شركة و هو  ليس كأحدنا؛ فقد اختاره ربنا- تبارك و تعالى و اصطفاه ،و فضله على خلقه جميعا، و له منزلة لم يبلغها من كان قبله من الأنبياء و الرسل، فهو صاحب الشفاعة، و المنزلة الرفيعة العالية ، و هو سيد و لد آدم، و كان الرسول يُبعَثُ لقومه خاصة و أرسله الله تبارك و تعالى - للناس كافة ،؛و هو البشير النذير، و هو خليل الرحمن و غير ذلك الكثير من الصفات التي من الله بها على رسوله ،قال تعالى:
{وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَىٰ أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا} ﴿الإسراء: ٧٩﴾  و{ وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةًلِّلْعَالَمِينَ} ﴿الأنبياء: ١٠٧﴾، و قوله تعالى : {  وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةًلِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَٰكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} ﴿سبإ: ٢٨﴾.
عن أبي سَعِيدٍ قال: قال رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم :« أنا سَيِّدُ وَلَدِ آدَمَ يوم الْقِيَامَةِ وَبِيَدِي لِوَاءُ الْحَمْدِ ولا فَخْرَ وما من نَبِيٍّ يَوْمَئِذٍ آدَمُ فَمَنْ سِوَاهُ إلا تَحْتَ لِوَائِي وأنا أَوَّلُ من تَنْشَقُّ عنه الْأَرْضُ ولا فَخْرَ« (( أخرجه الترمذي في السنن (5/308)وقال:َهَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ،و صححه الشيخ الألباني)، و عن عَبْدَ اللَّهِ بن مَسْعُودٍ   عن النبي  أَنَّهُ قال:» لو كنت مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذْتُ أَبَا بَكْرٍ خَلِيلًا وَلَكِنَّهُ أَخِي وَصَاحِبِي وقد اتَّخَذَ الله عز وجل صَاحِبَكُمْ خَلِيلًا» (أخرجه مسلم في صحيحه(4/1885)،و الترمذي(5/606)،و ابن ماجة (1/36)،و غيرهم  )    
أما التقسيم بهذه الطريقة بين الصفتين لطر ح الأحاديث التي يقول فيها الصحابي أن النبي أمر بفعل  أو نهى عنه أو قال كذا  أو رأيته يفعل ذلك أو سكت عن كذا، لا يستقيم و هو تقسيم باطل من وجوه:
أولاً: نقول:يا زكريا - بالعقل و المنطق يا صاحب العقل و المنطق!- لو أن صاحب الصفتين في عمله أمر الموظفين بفعل معين أو نهى عنه ؛فهل يحمل أمره أو نهيه على الصفة الدنيا أم على الصفة العليا؟!!! لاشك في أن الجواب هو: يحمل أمره و نهيه على الصفة العليا، و لا يُعْقل أبداً أن يذهب أحد الموظفين إلى مديره سائلاً إياه :بأي صفة من الصفتين أصدرت ذلك القرار!!! و لا يفعل ذلك إلا ساذج أو مشاغب.
أما من اختاره الله تعالى- و اصطفاه للرسالة فكل ما جاء به - من تشريع- فهو من باب الرسالة ؛لأن مرتبة الرسالة أعلى من مرتبة النبوة ،و لا تكون إلا بعد أمر اللهتبارك و تعالى- للنبي بالبلاغ عنه ؛ فكل رسول نبي و ليس كل نبي رسول، و الرسالة ليست منفكة عن النبوة ، فلم يبعث الله- سبحانه- رسولاً إلا و كان نبياً،و لو كان الأمر كما زعمتَ لكان لازماَ في حقه  أن يبينه للناس في كل مرة يتكلم فيها؛فيقول أنا أتكلم هنا بصفة النبوة، و أنا أتكلم هنا بصفة الرسالة؛ حتى لا يختلط الأمر و يضيع الدين ،و إلا فيكون  قد خان الأمانة و لم يبلغ الرسالة، و حاشا له ذلك ،و هذا ما لم يحدث ، و إلا فما فائدة قوله تعالى:{ الْيَوْمَأَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا }﴿المائدة: ٣﴾
أما قول راوي الحديث: قال رسول الله أو أمر ، أو قال النبي  أو أمر ،فلا فرق بين التسميتين من حيث وجوب الأمر و الأخذب بمقالة النبي – صلى الله عليه و سلم - مادام الأمر متعلق بالتشريع و التبليغ عن رب العالمين فأمره واجب و تحمل تسمية النبوة على الرسالة .و الله أعلم .
ثم قال بعد ذلك(ص ١٧-١٨): ففي مقام النبوة يقوم محمد النبي بالاجتهاد و العمل حسب المعطيات و الإمكانيات و الأرضية المعرفية السائدة، و يصحح له من خلال ذلك المقام، لذلك نجد أن التصويب يكون دائماً من مقام النبوة كما في قوله تعالى:{ يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك... } الآية ،{ يا أيها النبي اتق الله و لا تطع الكافرين و المنافقين... } الآية ،و {ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض} و { لقد تاب الله على النبي و المهاجرين }. لذلك فإن الأحاديث الواردة عنه سميت بالأحاديث النبوية.
أما في مقام الرسالة و التي تشمل كافة التشريعات و الأوامر التي أمره بها الله –عز و جل- عبر جبريل الأمين في القرآن الكريم، فهو معصوم فيها من الوقوع في الخطأ ....و عليه فإن الطاعة في القرآن الكريم هي للرسول،{ قل أطيعوا الله و أطيعوا الرسول} ، { أطيعوا الله و أطيعوا الرسول و احذروا...} ،{و من يطع الرسول فقد أطاع الله...}.
و قد جاء الإقتداء بالرسول في الصلاة و الزكاة من مقام الرسالة كما رأينا في الآية الكريمة السابقة، لذلك لا يوجد لدينا أحاديث رسولية لأن رسالة سيدنا محمد(ص) هي القرآن الكريم، و قد وعى الصحابة ذلك فلم يكتبوا عنه عندما كان يحتضر على فراش الموت  ما أراد أن يوصيهم به....الخ.
قلتُ: سبحانك هذا بهتان عظيم ! إن هي إلا مجموعة من الشبهات و الخلط بين الممسيات و هذا لا يستقيم بوجه من والجوه:
أولاً:النبي عند زكريا هو الذي يقوم بالاجتهاد و العمل حسب المعطيات الأرضية، و هذا خطأ ؛ لأن هذا ليس وارد في تعريف النبوة كما سنىرى ، هذا من جهة و من جهة أخرى  و هو من باب خلط المسميات و التشويش ،ومفهوم كلامه أنه لا طاعة لنبي لأن النبي هو المجتهد الذي يعمل وفق المعطيات التي بين يديه.  

أما تعريف النبي في اللغة :هو إنسان يصطفيه الله من خلقه ليوحي إليه بدين و شريعة (المعجم الوجيز ٥٩٨)  فهو مخبر عن الله -عز و جل.
 إذن النبي هو الرجل الذي يوحى إليه من الله، و ليس الرجل الذي يجتهد في موضع من المواضع!قال تعالى:{إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَاأَوْحَيْنَا إِلَىٰ نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِن بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَىٰ وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} ﴿النساء: ١٦٣﴾،و الإيمان بالأنبياء واجب وليس  واجباً بالمجتهدين  ، قال تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَإِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} ﴿البقرة: ١٣٦﴾
ثانياً: أن النبوة هي أول مراحل الرسالة؛ و لا رسالة من غير نبوة. فإذا أُخْتُصَ النبي برسالة  أصبح رسولاً.
ثالثاً: الأنبياء معصومون أما غيرهم فلا؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية (الفتاوى الكبرى  ج 2   ص 335) -: الأنبياء صلوات الله عليهم معصومون فيما يخبرون به عن الله سبحانه ، وفي تبليغ رسالاته باتفاق الأمة ، ولهذا وجب الإيمان بكل ما أوتوه.
أما تعريف الرسول:فهو الْمُرسَل(نفس المصدر ص 263 أعلاه.).
 يعني هو النبي - في المقام الأول- الذي أُختص برسالة و أُمر بتبليغها كما أُمر  قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ  قُمْ فَأَنذِرْ} ﴿المدثر:١- ٢﴾، و قيل:النبي هو من أَوْحَى الله إليه بشرع لنفسه أو أَمرَه بالتبليغ إلى قوم موافقين؛ يعني موافقين له في التوحيد.
والرسول: هو من أَوْحى الله إليه بشرع وأُمِرَ بتبليغه إلى قوم مخالفين(شرح العقيدة الطحاوية للشيخ صالح آل الشيخ مفرغة من محاضرات .
وفي التفريق بين المقامين يلاحظ -مما تقدم -أن كلا من النبي و الرسول يوحى إليه بتشريع ،و بناءً عليه مادام الرجل الواحد  قد جمع بين الصفتين فلا يفصل بينهما؛لأنه لا يترتب عليهما سوى تشريع واحد ؛سواءً قال القائل قال نبي الله أو قال رسول الله و أمر النبي بكذا أو أمر الرسول بكذا.
رابعاً: الاستدلال أعلاه  والاستدلال على إسقاط السنة النبوية بالآيات التي خاطب الله تعالى- فيها رسوله  بمرتبة النبوة،لهو من أفسد الأدلة؛ مثال بسيط على ذلك :و لو جعلنا  (يا أيها الرسول) مكان ( يا أيها النبي) في الآيات المذكورة آنفا فهل يتغير المعنى في الآيات المذكورة؟ و هل يصبح كل ما أخبر به الرسول من باب الاجتهاد؟!!! إن هذا لشيء عجيب!.
خامسا:و من أحسن ما يبطل استدلال زكريا فيما ذهب إليه من تفريق هذه الآية الكريمة قال تعالى : {  يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّأَزْوَاجِكَوَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِن جَلَابِيبِهِنَّ ذَٰلِكَ أَدْنَىٰ أَن يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} ﴿الأحزاب: ٥٩﴾ آمراً رسوله  أن يأمر نساءه و نساء المسلمين بالجلباب ؛فهي تحتوي على أوامر تشريعية ،وجاء الخطاب فيها للنبي  و حسب تقسيم زكريا يجب أن يكون الخطاب فيها للرسول حتى يكون تشريعاً يتبع؛ و إلا فهو من باب الاجتهاد؛, و قال تعالى :{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَٰهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴿الأعراف: ١٥٨﴾  و هنا سمى الله تعالى رسولة بالنبي .
علماً أن جميع الآيات التي خاطب الله فيها نبيه بهذه الصفة لا تخلو من تشريع كما سنرى لاحقا،غير أنه:
أوردها سعد و سعد مشتمل        ما هكذا يا سعد تورد الإبل.
، و لا حول و لا قوة إلا بالله!.
و لقد خاطب الله تعالى نبيه في القرآن بصفة النبوة و لم يخاطبه باسمه كما جرى مع غيره من الأنبياء و الرسل تكريماً له ،قال تعالى : يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ﴿الأنفال: ٦٤﴾،و  {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِالْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ} ﴿الأنفال: ٦٥﴾،و {  يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لِّمَن فِي أَيْدِيكُم مِّنَ الْأَسْرَىٰ إِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} ﴿الأنفال: ٧٠﴾ ،و{  يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} ﴿التحريم: ٩﴾ ، يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِن بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَٰلِكَ أَمْرًا ﴿الطلاق: ١﴾ و {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالَاتِكَ اللَّاتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَالنَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ لِكَيْلَا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا} ﴿الأحزاب: ٥٠﴾،فهل هذه الآيات لا تحمل تشريع !!!
 و لم يذكره – تعالى - باسمه سوى في أربعة مواضع: الموضع الأول في سورة الأحزاب الآية :(40)، الثاني في سورة آل عمران الآية :(144)،و الثالث في سورة محمد الآية:(2)، و الرابع في سورة الفتح الآية:(29) و ذكره بطريق الإخبار.
و خاطب الله تبارك و تعالى المؤمنين طالباً منهم اتباعه و طاعته بصفة مرسل من الله إليهم ،فقال  {قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْكَافِرِينَ ﴿آل‌عمران: ٣٢﴾،و  مَّن يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَن تَوَلَّىٰ فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا} ﴿النساء: ٨٠﴾ ,و غيرهن من الآيات فناسبت الصفة مقام الخطاب في كلا الموضعين.
أما معاتبة الله تعالى نبيه في بعض المواضع فلا يلزم من هذه الآيات و غيرها أن يتحول النبي  من موحى إليه بتشريع إلى مجتهد ،علماً أن الأصل في كل أقواله و أفعاله و تقريراته و صفاته (كصفة الوضوء و الصلاة ...الخ) التشريع إلا ما دل الدليل  على عكسه .و حتى لا أطيل في إيراد المنقول فمن أراد الاستزادة فلينظر أسباب نزول الآيات و تفسيرها ليقف على حكم التشريع حتى في عتاب النبي .
أما المستقرئ للسنة النبوية فيعلم أن أحداً من رواة الحديث فضلاً عن الصحابة لم يقسم هكذا تقسيم فتارة يخبرون عنه  بصفة النبوة و تارة بصفة الرسالة ، و  هذه بعض الأمثلة:
عن أبي هُرَيْرَةَ أخبره أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ في الْمَسْجِدِ فَثَارَ إليه الناس ليَقَعُوا بِهِ فقال لهم رسول اللّه  :»دَعُوهُ وَأَهْرِيقُوا على بَوْلِهِ ذَنُوبًا من مَاءٍ أو سَجْلًا من مَاءٍ فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ ولم تُبْعَثُوا مُعَسِّرِين»(أخرجه البخاري في صحيحه (5/2270)
عن أَبي هُرَيْرَةَ قال قام أَعْرَابِيٌّ فَبَالَ في الْمَسْجِدِ فَتَنَاوَلَهُ الناس فقال لهم النبي  » دَعُوهُ وَهَرِيقُوا على بَوْلِهِ سَجْلًا من مَاءٍ أو ذَنُوبًا من مَاءٍ فَإِنَّمَا بُعِثْتُمْ مُيَسِّرِينَ ولم تُبْعَثُوا مُعَسِّرِينَ»(صحيح البخاري (1/89).
عن أَنَسِ بن مَالِكٍ أَنَّ النبي  رَأَى أَعْرَابِيًّا يَبُولُ في الْمَسْجِدِ فقال :»دَعُوهُ حتى إذا فَرَغَ دَعَا بِمَاءٍ فَصَبَّهُ عليه»(نفس المصدر أعلاه.)
عن أَنَسِ بن مَالِكٍ أَنَّ أَعْرَابِيًّا بَالَ في الْمَسْجِدِ فَقَامُوا إليه فقال رسول اللَّه   » لَا تُزْرِمُوهُ ثُمَّ دَعَا بِدَلْوٍ من مَاءٍ فَصُبَّ عليه»(صحيح البخاري(5/2242)
و حتى لا يقول زكريا أني استدللت  بأحاديث من صحيح البخاري؛ فإنه حسب منهجه المنحرف في تلبيسه على الناس أراد أن يفرق بين كلمتي الرسول و النبي في السنة النبوية، ولما وجد أن ذلك محالاً في صحيح الإمام العلم الجهبذ أمير المؤمنين في الحديث بحق البخاري  - كما هو مبين أعلاه - فقد ذكر في حاشية كتابه صفحة (29) برقم (5):لن يتم اعتماد ذلك في أبحاث الكتاب التي تنطلق من المفاهيم الواردة في البخاري. ؛ فالحديث الأول أدناه من صحيح الإمام مسلم و فيه أمر شرعي جاءنا بلفظ أمر النبي ، أما الحديث الثاني ففي سنن أبي داود جاء بلفظ  قام رسول الله  و حسب تقسيم زكريا فيجب أن يكون قام النبي لأن القيام و القعود و من صفات البشر الجبلية و كذلك وصف بياض ذراعيه  
عن بن عَبَّاسٍ قال أُمِرَ النبي  : »أَنْ يَسْجُدَ على سَبْعَةٍ ونهى أَنْ يَكُفَّ شَعْرَهُ وَثِيَابَهُ » صحيح مسلم (1/354)
عن الْمُطَّلِبِ قال لَمَّا مَاتَ عُثْمَانُ بن مَظْعُونٍ أُخْرِجَ بِجَنَازَتِهِ فَدُفِنَ أمر النبي   رَجُلًا أَنْ يَأْتِيَهُ بِحَجَرٍ فلم يَسْتَطِعْ حَمْلَهُ فَقَامَ إِلَيْهَا رسول اللَّه   وَحَسَرَ عن ذِرَاعَيْهِ. قال كَثِيرٌ قال الْمُطَّلِبُ قال الذي يُخْبِرُنِي ذلك عن رسول اللَّهِ   قال كَأَنِّي أَنْظُرُ إلى بَيَاضِ ذِرَاعَيْ رسول اللَّهِ حين حَسَرَ عنهما ثُمَّ حَمَلَهَا فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَأْسِهِ وقال أَتَعَلَّمُ بها قَبْرَ أَخِي وَأَدْفِنُ إليه من مَاتَ من أَهْلِي.سنن أبي داود  (3/212)،و حسنة الألباني- رحمه الله.
و البخاري لم ينفرد بذلك و إنما هو فِعْلُ جميع أئمة الحديث،و لا يوجد مثل هذا المنهج عند أحد سوى زكريا أوزون!!! .
و الخلط الذي زعم زكريا- إنما جاء منه  بهذا التقسيم الذي لا يستقيم. 
و ليعلم زكريا و غيره ممن لَبَسَ أو الْتَبَسَ عليه الأمر  أن الأخبار الصحيحة لو جاءت عن رسول الله  بلفظ :محمد أمر بكذا أو نهى كذا أو أباح كذا؛ لكان ذلك تشريعاً عند المسلمين ؛ لكن الصحابة الذين رباهم القرآن لم يكونوا ليذكروا رسول الله  إلا بصفة النبوة أو الرسالة و كذلك تَفْعَلُ أمته جميعها.
الشبهة السادسة الأحاديث الرسولية
قال:و قد جاء الإقتداء بالرسول في الصلاة و الزكاة من مقام الرسالة كما رأينا في الآية الكريمة السابقة، لذلك لا يوجد لدينا أحاديث رسولية لأن رسالة سيدنا محمد(ص) هي القرآن الكريم، و قد وعى الصحابة ذلك فلم يكتبوا عنه عندما كان يحتضر على فراش الموت  ما أراد أن يوصيهم به....الخ.
قلتُ: قدمنا الأدلة الكافية من وجوب الأخذ بما صح عنه  و عدم التفريق بين المنزلتين و قد مضى من الصحابة رضوان الله عليهم- الأخذ عنه  كتابةً و حفظاً في الصدور منذُ أن أُمرَ  بالصدع بالدعوة إلى الله في مكة وحتى كمال التشريع و وفاته .
أما شبهة عدم الأخذ عنه  عندما كان يحتضر على فراش الموت ؛فلها موضع لاحق في هذه المدونة سوف تُنَاقَشُ فيه و يُبَيَنُ بُطلانها إن شاء الله تعالى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق