شبهات و ردود

                                        الشبهة الأولىهل الحديث النبوي وحي منزل

قال المدعو زكريا أوزون في كتابه الموسوم بالجناية :"قبل البدء في الدخول إلى فصول و موضوعات الكتاب نطرح على مائدة البحث الأسئلة الأساسية التالية:السؤال الأولهل الحديث النبوي وحي منزل؟، ثم أجاب عن تساؤله بقوله:الحديث النبوي ليس وحياً منزلاً و لو كان كذلك لأصبح متنه (نصه) قرآنا يقرأه المسلم عند أدائه فروض صلاته؛ و هو ظني الثبوت نقل بالمعنى ، و إن حاول البعض إقناعنا بدقة الرواة في عين لفظ الحديث، و ما اختلاف متون (نصوص) رواياته الصادرة عن راو واحد و اعتمادها إلا دليل على ذلك".قلتُ: قبل الإجابة عن هذه الشبهات أسأل زكريا أليس من عناصر البحث الموضوعي تقديم الأدلة على النتائج و استعرضها ومناقشتها دليلاً دليلاً و بحيادية؟!!! فما بالك تقدم النتيجة على الأدلة ؛ما هذا إلا أمر بيت بليل ، و إن أوهن البيوت لبيت العنكبوت .
أما إطلاق الكلام هكذا إنما يدل على أن القصد منه إثارة الشبهات ، و استدراج العامة؛ و هذا فعل لا يليق بالباحثين!!!أما قولك:" الحديث النبوي ليس وحياً منزلاً و لو كان كذلك لأصبح متنه (نصه) قرآنا يقرأه المسلم عند أدائه فروض صلاته".قلتُ : يُفهمُ من قولك هذا أن القرآن يعرف بأنه وحي من قراءة المسلم له في الصلاة؛و هذا باطل من وجوه:أولاً:لأنه من أبطل و أظلم أدلة القياس ،و أنا سائلك: كيف عرف الصحابةرضي الله عنهم جميعاً- أن القرآن وحي من الله تعالىقبل أن تفرض الصلاة و يقرأ فيها ؟إذاً: لا بد أن هناك أدلة على الوحي غير الذي ذهبت إليه.ثانياً:نحن نقرأ (في الصلاة) الفاتحة و ما تيسر من القرآن، ثم التشهد و الصلاة الإبراهيمية؛ و السؤال:هل التشهد و الصلاة الإبراهيمية من القرآن أم من السنة؟ فإذا كان جوابك (وفق منهجك أعلاه) أنهما  من القرآن علمنا جهلك و بطلان ما ذهبت إليه، و إذا قلت أنهما من السنة و لابد لك أن تفعل؛ لأنك لن تستطيع أن تأتي بنص التشهد و الصلاة الإبراهيمية من القرآن الكريم؛أثبتنا وفق نظريتك أعلاه أن السنة وحي من الله تعالى، ومما يؤكده أن التشهد الأخير ركن من أركان الصلاة من تركه بطلت صلاته.و لله الحمد و المنة.تنبيه:احتجاج زكريا أعلاه على أن السنة ليست وحياً من الله - تعالى- يدل على تناقضه ؛فمن جهة يصف القياسفي مقدمة كتابه- بالظلام، و من جهة أخرى يذهب إليه في أول بحث له؛ حيث قاس السنة على قراءة القرآن في الصلاة؛فتأمل.أما الأدلة على أن السنة وحي منتبارك وتعالى- فكثيرة في القرآن و السنة،و أبدأ أولاً بما جاء في كتاب الله- تعالى:قال تعالى :((وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى)) [النجم : 3-4] و قال تعالى((وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)) [النحل : 44]و قال تعالى :(( وَاذْكُرْنَ مَا يُتْلَى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ وَالْحِكْمَةِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ لَطِيفاً خَبِيراً)) [الأحزاب: 34]وقال تعالى:(( وَأَنزَلَ اللّهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيماً)) [النساء : 113]و قال تعالى:(( لَقَدْ مَنَّ اللّهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ))[آل عمران : 164]و أما الدليل من قول رسول الله - صلى الله عليه و على آله وسلم :عن الْمِقْدَامِ بن معد يكرب - رضي الله عنه - عن رسول اللَّهِ  - صلى الله عليه و على آله وسلم- أَنَّهُ قال: ألا إني أُوتِيتُ الْكِتَابَ وَمِثْلَهُ معه، لا يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ على أَرِيكَتِهِ يقول: عَلَيْكُمْ بهذا الْقُرْآنِ فما وَجَدْتُمْ فيه من حَلَالٍ فَأَحِلُّوهُ وما وَجَدْتُمْ فيه من حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ ؛ألا لَا يَحِلُّ لَكُمْ لَحْمُ الْحِمَارِ الْأَهْلِيِّ ولا كُلُّ ذِي نَابٍ من السَّبُعِ ولا لُقَطَةُ مُعَاهِدٍ إلا أَنْ يَسْتَغْنِيَ عنها صَاحِبُهَا وَمَنْ نَزَلَ بِقَوْمٍ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْرُوهُ فَإِنْ لم يَقْرُوهُ فَلَهُ أَنْ يُعْقِبَهُمْ بِمِثْلِ قِرَاهُ.وعن عبد اللَّهِ بن عَمْرٍو- رضي الله عنه-  قال: كنت أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ من رسول اللَّهِ - صلى الله عليه و على آله وسلم- أُرِيدُ حفظة فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ وَقَالُوا أَتَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ - صلى الله عليه و على آله وسلم- بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ في الْغَضَبِ وَالرِّضَا فَأَمْسَكْتُ عن الْكِتَابِ فَذَكَرْتُ ذلك لِرَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه و على آله وسلم-  فَأَوْمَأَ بِأُصْبُعِهِ إلى فيه فقال أكتب فَوَالَّذِي نَفْسِي بيده ما يَخْرُجُ منه إلا حَقٌّ.كتبه الصفوري
=============

الشبهة الثانية كتابة الحديث النبوي و  ظني الثبوت:

أما قولك:"و هو ظني الثبوت نقل بالمعنى، و إن حاول البعض إقناعنا بدقة الرواة في عين لفظ الحديث،و ما اختلاف متون (نصوص) رواياته الصادرة عن راو واحد و اعتمادها إلا دليل على ذلك".قلت: وهذا أيضاً من تناقضات زكريا أوزون فهو من جهة يرفض أحاديث رسول الله ρ بدعوى "ظني الثبوت نقل بالمعنى ...إلخ"و من جهة يحتج على الإمام البخاريرحمه الله- و المسلمين ويقر هو بنفسه بثبوت حكم من الأحكام الشرعية بخبر ظني الثبوت نقل بالمعنى و هو ما خلص إليه من دراسة حديث أبي شاة؛حيث قال في صفحة (15):" و الرسول الكريم لم يأمر بكتابة الحديث(1) كما أمر بكتابة القرآن ، و ما جاء في الصحيحين من حديث (أكتبوا لأبي شاة) .....و الذي تم الاستناد إليه في كتابة الحديث يتعلق بما قاله الرسول عن تحريم مكة و صيدها و خلاها و شجرها و لقطتها". أقول: أولاً نسجل عليك قبولك و إقرارك واستنباطك من حديث أبي شاة أحكام تتعلق بمكة- هو حديث آحاد ظني الثبوت نقل بالمعنى- ، و استدلالكو إن كان خطأ- به على عدم جواز كتابة الحديث النبوي الشريف، كاف لنقض دعواك؛ فلله الحمد و المنة.ثانياً: لا بد من و جود قاعدة قبل بها المسلمون و على أساسها و قبلت أنت هذا الحديث الذي احتججت به علينا بعدم الأمر بكتابة الحديث ؛ ألا و هي دراسة الرواية دراسة علمية منهجية على القواعد التي وضعها أهل الفن  ؛ فإن وافقتنا على ذلك و جب عليك قبول جميع الروايات الصحيحة عن رسول الله ρ و إن خالفتنا- وجئت بعلم لم تعهده الأمة من قبل سقط- احتجاجك علينا بحديث (اكتبوا لأبي شاة) وغيره(2) من الأحاديث التي اعتمدتها مستنداً و حجة في نهي النبي ρ عن كتابة الحديث و  في أن الحديث ليس وحي من الله -تعالى- و لله الحمد و المنة.أما قولك :"و هو ما طلب أبوشاة كتابته تحديداً ليكون بمثابة وثيقة لوصية الرسول حول مكة يظهرها لأهل اليمن و لم يطلب كتابة أي كلام غيره للمصطفى؛ و فيما يلي نص الحديث:أبو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه قال لَمَّا فَتَحَ الله على رَسُولِهِ ε مَكَّةَ قام في الناس فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عليه ثُمَّ قال إِنَّ اللَّهَ حَبَسَ عن مَكَّةَ الْفِيلَ وَسَلَّطَ عليها رَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ كان قَبْلِي وَإِنَّهَا أُحِلَّتْ لي سَاعَةً من نَهَارٍ ولا تَحِلُّ سَاقِطَتُهَا إلا لِمُنْشِدٍ وَمَنْ قُتِلَ له قَتِيلٌ فَهُوَ بِخَيْرِ النَّظَرَيْنِ إِمَّا أَنْ يُفْدَى وَإِمَّا أَنْ يُقِيدَ" فقال الْعَبَّاسُ: إلا الْإِذْخِرَ فَإِنَّا نَجْعَلُهُ لِقُبُورِنَا وَبُيُوتِنَا؛ فقال رسول اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم:" إلا الْإِذْخِرَ". فَقَامَ أبو شَاهٍ رَجُلٌ من أَهْلِ الْيَمَنِ؛ فقال اكْتُبُوا لي يا رَسُولَ اللَّه!ِ فقال رسول اللَّهِ  صلى الله عليه وسلم"اكْتُبُوا لِأَبِي شَاهٍ" صحيح البخاري 2434 . تنويه: حذف زكريا من الحديث أعلاه قوله صلى الله عليه وسلم » وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِأَحَدٍ بَعْدِي فلا يُنَفَّرُ صَيْدُهَا ولا يُخْتَلَى شَوْكُهَا».قلتُ : طلبُ النبي  صلى الله عليه وسلم من أصحابه الكتابة لأبي شاة ليس فيه دليل البتة على تقيد الكتابة بهذه الواقعة (أي ما يتعلق بما قاله رسول الله  صلى الله عليه وسلم عن تحريم مكة و صيدها و خلاها و شجرها و لقطتها)،أو  لتكون وثيقة لوصية النبي  صلى الله عليه وسلم لأهل اليمن -كما ذهب إليه زكريا- وذلك لأسباب التالية:أولاً:لو كان النهي عن كتابة الحديث مازال قائماً  لما أباحة رسول الله -صلى الله عليه و سلم -  لأبي شاة و لا لغيرة؛ و لكن  لما فعل عرفنا أن كتابة الحديث النبوي الشريف مباحة و أن النهي عنها قد زال كما سوف نبين ذلك  لاحقاً.ثانياً:تخصيص كتابة الحديث بما جاء في تحريم مكة و صيدها و شجرها...الخ، و أنه كان وصية فقط يحتاج إلى دليل، و فَهْمُ زكريا -لطلب أبي شاة أن يكتب له- على هذا النحو فيه قصور أو تلبيس على العامة؛و إنما يفهم منه أن أبا شاة كان ضعيف الذاكرة لا يحفظ و لا يكتب ؛فطلب من رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يأمر أصحابة  يكتبوا له ، و لو كان الأمر كما ذهب إليه زكريا لكان قوله صلى الله عليه و سلم اكتبوا لأهل اليمن،علماً أن التحريم ليس مختص بأهل اليمن ،و إنما بالأمة كلها في جميع الأمصارثالثاً:صح عن رسول الله  صلى الله عليه و سلم الأمر بكتابة الحديث - بعد أن نهى عنه في بداية الدعوة خشية اختلاطه بالقرآن ، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال:كنت أَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ أَسْمَعُهُ من رسول اللَّهِ صلى الله عليه و سلم أُرِيدُ حفظة. فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ، وَقَالُوا أَتَكْتُبُ كُلَّ شَيْءٍ تَسْمَعُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ في الْغَضَبِ وَالرِّضَا فَأَمْسَكْتُ عن الْكِتَابِة. فَذَكَرْتُ ذلك لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه و سلم فَأَوْمَأَ بِأُصْبُعِهِ إلى فيه فقالأكتب فَوَالَّذِي نَفْسِي بيده ما يَخْرُجُ منه إلا حَقٌّ» سنن أبي داود 3646  و صححه الألباني.و حديث أبي هريرة قال: ما من أَصْحَابِ النبي صلى الله عليه و سلم أَحَدٌ أَكْثَرَ حَدِيثًا عنه مِنِّي إلا ما كان من عبد اللَّهِ بن عَمْرٍو فإنه كان يَكْتُبُ ولا أَكْتُبُ. صحيح البخاري ١١٣ و هذا فيه دليل على الإباحة في نهاية الأمر؛ ذلك أن أبا هريرة رضي الله عنه أسلم في آخر حياة النبي صلى الله عليه و سلم ؛مما يعني أنه شهد عبد الله بن عمرو يكتب ما يسمعه من رسول الله صلى الله عليه و سلم.قال الشيخ أحمد شاكر-رحمه اللهو الجواب الصحيح أن النهي عن كتابة الحديث منسوخ بأحاديث أخرى دلت على الإباحة، و قال الشيخ الألبانيرحمه اللهو مما يدل على ذلك حديث ابن عمرو أنه دعا بصندوق له حلق،فأخرج منه كتاباً ،فقال:بينما نحن حول رسول الله صلى الله عليه و سلم نكتب؛إذ سئل رسول الله صلى الله عليه و سلم :أي المدينتين نفتح أولاً:القسطنطينية أو رومية ؟...الحديث و قال أيضا-رحمه الله – :و من ذلك حديث قيدوا العلم بالكتاب،و هو صحيح بمجموع طرقه كما بينته في الصحيحة(2026) أنتهى كلامه.و هنالك روايات أُخرى لم أذكرها خشية الإطالة.رابعاً:قولك ظني الثبوت لا يؤثر في قبول الرواية؛ فهو من تقسيمات أهل الكلام  و من نحا نحوهم  في الاستدلالات الفقهية ؛على أن حديث الآحاد لا يفيد العلم اليقيني (القطعي)؛فيقدمون عليه القياس و الإجماع ،و الرأي ...الخ، و هذا التقسيم منهم غير ملزم للمسلمين ؛و قد ثبت بنصوص القرآن و السنة أن خبر الآحاد يفيد العلم؛  قال تعالى: (( وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ))التوبة ١٢٢ ،و قد بعث النبي  صلى الله عليه و سلم الرجل و الرجلين لإبلاغ عقيدة التوحيدالتي هي أصل الدعوة ،و التي من أجلها بعث الله الرسل-إلى القبائل و الممالك، و قامت بهم حجة الله- تعالى- على خلقه ؛ فقد بعث معاذاً τ إلى اليمن، عن بن عَبَّاسٍ- رضي الله عنهما- أَنَّ النبي صلى الله عليه و سلم  بَعَثَ مُعَاذًا رضي الله عنه إلى الْيَمَنِ فقال: »ادْعُهُمْ إلى شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إلا الله وَأَنِّي رسول اللَّه؛ِ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ قد افْتَرَضَ عليهم خَمْسَ صَلَوَاتٍ في كل يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ؛ فَإِنْ هُمْ أَطَاعُوا لِذَلِكَ فَأَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ افْتَرَضَ عليهم صَدَقَةً في أَمْوَالِهِمْ تُؤْخَذُ من أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ على فُقَرَائِهِمْ» البخاري (2/505 )،و عنه أيضاً: أَنَّ رَسُولَ اللَّه  صلى الله عليه و سلم بَعَثَ بِكِتَابِهِ رَجُلًا وَأَمَرَهُ أَنْ يَدْفَعَهُ إلى عَظِيمِ الْبَحْرَيْنِالبخاري(1/36)،«،و كذلك بعث إلى هرقل .فلو كان حديث الآحاد لا يفيد العلم لبعث  صلى الله عليه و سلم رسله بعدد التواتر!و حديث الآحاد حجة بنفسه في جميع أقسام الشريعة؛فلا يقدم عليه قياس أو إجماع أو رأي.قال تعالى :(( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)) النساء ٦٥ ؛فمتى صح الحديث عمل به.
بقلم الصفوري غفر الله له و لوالدية.
===============

الشبهة الثالثة:هل اختلاف الصحابة في كتابة الحديث 
ثم قال زكريا أوزون بعد ذلك :"و أخيراً فإن الصحابة أنفسهم اختلفوا في جواز كتابة الحديث النبوي حيث كرهها عمر بن الخطاب و عبد الله بن مسعود و زيد ابن ثابت و أبو موسى  و أبو سعيد و آخرون غيرهم".
قلت : أما قوله :" كرهها عمر بن الخطاب " فقد صح عن عمر القول بتقيد العلم: عن عبد الملك بن عبد الله بن أبي سفيان أنه سمع عمر بن الخطاب يقول: قيدوا العلم بالكتاب(المستدرك على الصحيحين (ج1 ص188)).
و لا شك أن كراهة الصحابي لأمر لا يعني تحريمه عوضاً عن أن الكراهة كحكم شرعي ليست كالتحريم ،-و إذا علمنا أن علة الكراهة  كانت خشية اختلاط الحديث بالقرآن  زال الإشكال - هذا من جهة و من جهة أخرى لم ينقل المذكور من نفس المصدر(الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث )قول البيهقي و ابن الصلاح و غير واحد :"لعل النهي عن ذلك كان حين يخاف التباسه بالقرآن ،و الإذن فيه حين أمن ذلك" و لم ينقل بعذلك ما جاء عن إجماع العلماء على تسويغ كتابة الحديث(الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث(378-379)؛ و هو ما يدل على الانتقائية و عدم الموضوعية في البحث  والنقاش الموضوعي العقلاني الذي دعا إليه زكريا في مقدمة كتابه، و أخلص من ذلك أن الرجل وضع هدفاً قبل البدء في كتابه و هو الطعن في الحديث النبوي الشريف و في حملته؛و أقول إن ما يهمنا (نحن المسلمون) من ذلك كله أن الصحابة رضي الله عنهم من الذين كتبوا الحديث أو الذين حفظوه في صدورهم لم يقصروا في تبليغه و إيصاله لمن كان بعدهم و كذلك فعل التابعون ومن بعدهم حتى و صلنا هدي النبي صلى الله عليه وسلم  كاملاً غير منقوص وذلك من باب حفظ الله تبارك و تعالى لهذا الدين كاملاً ؛فله الحمد كما ينبغي لجلال و جهه و عظيم سلطانه و له الحمد على جميع آلائه وله الحمد كما يحب و يرضى على هذه النعمة التي  حفظ بها ملتنا من التحريف و الاندثار ،أما  من كان كل همه و قام علمه على إثارة الشبهات و التدليس و تضليل الناس  فيكفيه من ذلك ما اكتسب من الإثم .

أما قولك :"نقل بالمعنى، و إن حاول البعض إقناعنا بدقة الرواة في عين لفظ الحديث،و ما اختلاف متون (نصوص) رواياته الصادرة عن راو واحد و اعتمادها إلا دليل على ذلك".
قلت :من الأدلة على زيغ زكريا أنه لا يأتي بالدليل على ما يذهب إليه من تقرير؛بناءً عليه فإني أطالب زكريا و أتحداه أن يأتي بنصوص(متون) مختلفة(١)في عين لفظ حديث لراو واحد تم اعتمادها!!! ،أما الكلام بهذه الطريقة و التقرير من غير دليل، لا يقبله عقل!!! قال تعالى : ((هَاتُواْ بُرْهَانَكُمْ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ )) [البقرة : 111] ،و يرحم الله من قال:" اللهم إنا نسألك عقلاً يعقلنا عن مثل تلك الحماقات ورشداً يمنعنا عن تلك الدعاوى الباطلات:
و الدعاوى ما لم يقيموا عليها بينات أبناؤها أدعياء(٢) .
(١)ـ مختلفة في علم المصطلح:متعارضة لا يمكن الجمع بين ألفاضها و يشترط في هذه الروايات أن تكون صحيحة.
(٢)-مقتبسة من كتاب خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر(1/378) بتصرف بسيط.
===================

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق