الحديث النبوي و مصدرية التشريع


الشبهة الرابعة: هل الحديث النبوي مصدر تشريع؟
السؤال الثاني:هل الحديث النبوي مصدر تشريع ؟
و أجاب عنه بقوله :"أغلب الحديث النبوي ليس مصدر تشريع لأن معظم ما و صلنا عن طريقه لم ينفرد به  عن غيره من الناس لكي يتخذ شرعة و منهاجاً من بعده ؛ فمثلاً لم يكن النبي  أول إنسان يأكل باليمين أو يأكل التمر أو يستخدم العود الهندي أو يحتجم أو يبكي على وفاة ابنه أو ينام على جنبه الأيمن أو يقبل النساء .... إلى غير ذلك  ليعتبر ذلك تشريعاً".
قلت: نعم فالأمر أيها الأوزوني و لكن الأمر ليس كما زعمت حاولت أن تدلس على القراء فمحمد صلى الله عليه وسلم لم يأت من الفضاء الخارجي حتى لا يشارك الناس و يشاركوه في أمور كثيرة بحكم العادة و العرف و يفارقهم في أمور ليس المجال لذكرها هنا ، فمحمد – صلى الله عليه و سلم ، كان واحد من العرب من قريش (من أفضلهم ) كان يأكل و يشرب يبكي و يضحك و ينام جانبة الأيمن ويحب العطور شأنه كغيره إلا أن الله تعالى اختصة بالرسالة من بين الناس.

 نعم هنالك أمور كثيرة بحكم العادة أو العرف لم ينفرد بها النبي – صلى الله عليه وسلم - و لكن الشريعة جاءت فأقرت أمور و حرمت أخرى ، فأما باليمن فقد أقرته الشريعة و أمرت به، و أما أكل التمر فهو من المباح و بقي على حاله و كذا العود الهندي و الحجامة ، و أما البكاء فجاءت الشريعة و هذبته فنهت عن شق الخدود و لطم الخدود و الصراخ ، قال صلى الله عليه و سلم :"إن القلب ليحزن و إن العين لتدمع و إنا على فراقك يا إبراهيم لمحزونون " أما النوم على الجانب الأيمن فهو من آداب النوم التي أمر بها صلى الله عليه وسلم. وهكذا هو الأمر في كل ما يخص حياة المسلم جاءت الشريعة فنظمته فأقرت أمور وفرضت وحرمت أخرى، والحمد الله الذي لم يخلقنا عبثا.  
و هذه الحيلة يا زكريا  لا تنطلي على أحد .
هذا من جهة ومن جهة أخرى فالسنة فيها أخبار و قصص و فيها تشريع – تحليل و تحريم و إباحة – و كل ما يحتاجه المسلم في حياته من تشريع و غيره و يكفينا قوله صلى الله عليه سلم :" تركتم على البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك " و قوله أيضا :" خير الهدي هدي محمد – صلى الله عليه وسلم "
فكيف يقال بعد ذلك أن هذا ليس تشريعاً تدليسا وتضليلا للناس بمقولة أنه صلى الله عليه وسلم لم ينفرد بفعله ؟!!!
وهذا الطرح إنما يراد منه هدم السنة النبوية الشريفة .
قال الدكتور يحيى هاشم حسن فرغل(في مقالة على الإنترنيت بعنوان" السنة كلها تشريع"(بتصرف بسيط) على موقع:        http://elaph.wordpress.com ): برز في العقود الأخيرة (صنف من الناس )يزعم أن منها(أي السنة) ما هو للتشريع فيؤخذ به ، ومنها ما هو لغير التشريع فلا يؤخذ به ، وهذه مقولة بالغة الخطر ، وخطرها من نعومتها وشدة التلبيس فيها .
قال :يقول الأستاذ الدكتور موسى شاهين لاشين ردا على هؤلاء مبينا أن السنة كلها تشريع : ( ولم يخالف في ذلك أحد من علماء المسلمين طوال أربعة عشر قرنا ) حتى كان النصف الثاني للقرن الرابع عشر للهجرة ، فكان أول من قسم السنة إلى تشريع وغير تشريع فضيلة الشيخ محمود شلتوت في كتابه  "الإسلام عقيدة وشريعة "
يذهب الشيخ شلتوت : إلى أن ما ورد من أقواله صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته قد يأتي بعضه : على ما سبيله سبيل الحاجة البشرية كالأكل والشرب والمشي والتزاور والمصالحة بين شخصين. وما سبيله التجارب والعادة الشخصية ، أو الاجتماعية كالذي ورد في شئون الزراعة والطب وطول اللباس أو قصره . وما سبيله التدبير الإنساني في ظروف خاصة كتوزيع الجيوش على المواقع الحربية. وكل هذه الأنواع ليس شرعا يتعلق به طلب الفعل أو تركه ، وإنما هو من الشئون البشرية التي ليس مسلك الرسول فيها صلى الله عليه وسلم  تشريعا ولا مصدر تشريع
ويقول الشيخ موسى شاهين لاشين : وعن الشيخ شلتوت أخذ كثير من المعاصرين فيما كتبوه عن السنة وتقسيمها إلى تشريعية وغير تشريعية . والذين ساروا في ركاب الشيخ شلتوت هم حتى اليوم لا يتجاوزون أصابع اليد الواحدة .وهؤلاء بحسن نية في بعض الأحيان يفتحون في الشريعة الإسلامية ثغرة يحسبونها هينة وهي منفذ خطير لأعداء الشريعة الإسلامية. 
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية(مجموع الفتاوى  ج 18   ص 12(بتصرف بسيط)):التشريع يتضمن الإيجاب والتحريم والإباحة، ويدخل في ذلك ما دل عليه من المنافع ففي الطب فإنه يتضمن إباحة ذلك الدواء والانتفاع به فهو شرع لإباحته وقد يكون شرعا لاستحبابه.
والمقصود أن جميع أقواله يستفاد منها شرع وهو لما رآهم يلقحون النخل قال لهم (ما أرى هذا يعنى شيئا ) ثم قال لهم ( إنما ظننت ظنا فلا تؤاخذوني بالظن ولكن إذا حدثتكم عن الله فلن أكذب على الله ) وقال أنتم أعلم بأمور دنياكم فما كان من أمر دينكم فإلي ( وهو لم ينههم عن التلقيح لكن هم غلطوا في ظنهم أنه نهاهم كما غلط من غلط في ظنه أن ( الخيط الأبيض ) و ( الخيط الأسود ) هو الحبل الأبيض والأسود
و أقول أيضاً: ثبت العرش ثم انقش ،قدم لنا الدليل على أن معظم ما و صلنا من طريقة  لم ينفرد به  - بذكر عدد الأحاديث النبوية الشريفة و مواضعها في كل كتاب برقم الجزء و الصفحة- مع بيان من جاء بها قبله !!!. فإذا كانت من تعليم الله تعالى خلقه أي مما عَلَمَ آدمَ عليه السلام- أو من الفطرة التي فطر الناس عليها، أو مما جاء بها الأنبياء و الرسل من قبله ضربنا بقولك عرض الحائط -و نحن لا بد فاعلون، و أذا لم تكن كذلك و اخترعها مخترع ثم جاء الإسلام فأقر ذلك أو دل عليه بقول أو فعل أو تقرير من رسول الله  فعلنا بكلامك ما فعلناه في المرة الأولى.
أما قولك:" لكي يتخذ شرعة و منهاجا".
قلتُ: نعم نحن نتخذ من السنة كاملة شرعة و منهاجا لأنها كذلك؛ فالسنة - كما هو مقرر في علم المصطلح- هي المنهاج و الطريقة التي سار عليها رسول الله  و نحن نتبعه و نقتدي به لأن في اتباعه  خير الدنيا و الآخرة؛ فنقتدي به في ملبسه و مأكله و مشربه و منامه و معاملاته و نقتدي بكل ما جاء به من أحكام و آداب؛ كيف لا و قد قال  »وخير الهدى هدى محمد «  ،و ربنا تبارك وتعالى يقول  قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ (أل عمران ٣١) و لو نزلت هذه الآية فقط في القرآن لكفتنا لنتخذ هديه في كل شيء شرعة و منهاجا.
والاستشكال الذي تقدمت به على الناس لتُسْقِطَ الاحتجاج بالسنة؛ لن يجدِ نفعاً لأن السنة النبوية:
- هي المصدر الثاني في التشريع بعد كتاب الله - تبارك و تعالى - باتفاق الأمة.
- لو وافقنا جدلا أن معظم السنة جاء في آداب المأكل و المشرب و الزواج و ذلك غير صحيح-فليس في هذا الطرح ما يدل على أنها ليست مصدرا للتشريع. وفي تشريع هذه الآداب دليل على تمام و كمال هذه الشريعة. 
-هذا طرحك بالنسبة للمندوبات و المباحات في السنة النبوية؛ فما هو حال باقي الأحاديث عندك؟فإما أن تكون مصدراً للتشريع ؛فيكون كلامك أعلاه من غير طائل و لا فائدة- و قد فعلت فاعترفت ببعض الأحاديث أنها مصدر للتشريع بقولك :"و هو ما يدل على أن هذين القولين فقط هما ما يؤخذان عنه و قد حصلنا عليهما عن طريق السنة الفعلية المتواترة" -، و إما ألا تكون مصدراً للتشريع  فتكون قد تناقضت.
- هل قولنا " السنة هي المصدر الثاني للتشريع" خطأ إلا أن نبين فنقول" ما عدا ما كان في الآداب العامة، و علامات الساعة" مثلا و إذا لم نفعل فهل يلزم من ذلك أن السنة ليست مصدراً للتشريع ؟!!!.
-الاستدلال على التشريع بأنه لا يكون كذلك إلا إذا كان جديداً لم يعرفه الناس من قبل؛ لا يصح ،  إنما يستدل على ذلك من الوحيين- الكتاب و السنة- فكل ما أمر به رسول الله  أو نهى عنه أو أباحه فهو تشريع.
و عودة على أكل النبي  باليمين،و أكله التمر و ما أخبرنا به من فوائده ،و احتجامه، و كيفية بكاءه على ولده، و منامه على جانبه الأيمن،و تقبيله النساء و الرفق بهن كل ذلك من المنهج النبوي وشريعة المسلمين؛فشريعتنا- و لله الحمد و المنة- كاملة لا ينقصها شيء فقد علمنا  كل ما نحتاجه في حياتنا الدنيا من آداب المأكل و المشرب و الملبس و النوم و الاستيقاظ و آداب دخول المسكن و الخروج منه و آداب السفر و آداب النكاح حتى آداب قضاء الحاجة ؛و كان الناس يفعلون ذلك كله في عهده  و من قبله؛  فكانوا يأكلون و يشربون، و يلبسون ثيابهم، بغير هديه  ؛ ثم جاء الإسلام فهذب ذلك كله و جعل له أحكاماً و آداباً يتأدب بها المسلم، و هذا ما يحسدنا عليه الناس؛فنحمد الله تعالى على  كمال و تمام هذا الدين، قال تعالى:  الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً)) المائدة ٣ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق