عدم كفاية أحاديث التفسير في صحيح البخاري



قال زكريا أوزون : مع الإشارة إلى أن الأحاديث التي تبحث تفسير القرآن في صحيح البخاري- كتاب التفسير- لا تتجاوز نسبتها (6%) من مجمل أحاديث صحيحه،كما أننا نجد حديثاً أو حديثين لسورة كاملة في حين نجد الكثير من الأحاديث لآية محددة واحدة.
قلتُ: هذا منهج أصحاب الشبهات عدم تقديم الدليل؛ فالشبهة ليس لها دليل خاص و إنما يحتج لها بكلام عام الغاية منه التشويش و التضليل؛ فالمذكور لم يقدم تلك الأحاديث بين يدي كلامه كما أنه لم يشر إلى أرقامها في كتاب التفسير عند الإمام البخاري.على أية حال و بغض النظر عن عدد الأحاديث في كتاب التفسير و نسبتها المئوية فالبخاري:
  • لم يجعل من كتابه كتاب تفسير لآي القرآن ككتاب الطبري و ابن كثير، و ما نص على ذلك أحد من أهل العلم- كما أراد أن يوهم زكريا-، و إنما هو كتاب جمع فيه كل ما يحتاج المسلم لمعرفته (من أمور تعبدية و معاملات و آداب...الخ) في حياته من الأحاديث التي صحت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم - من غير استيعاب لها،و قسمه تقسيماً موضوعياً فبدأه بكتاب بدء الوحي، ثم كتاب الإيمان، و العلم، و الوضوء ،والغسل، و الصلاة، وجعل من ذلك كتاب أسماه كتاب التفسير، ثم انتهى بكتاب التوحيد-حتى يسهل الرجوع إليه و الاستفادة منه.
  • يخرج أكثر من حديث في الآية أو السورة الواحدة لزيادة فائدة؛فإما أن تكون لتعدد أسباب أو لوجود فوائد أخرى كما سنرى لاحقاً.
  • لم يجعل كتابه حاوياً لجميع الأحاديث النبوية الشريفة – كما قدمت آنفا-و إنما انتخبه من ستمائة ألف حديث؛ حتى يسهل الرجوع إليه و الاستفادة منه، نقل الحافظ في الفتح عن أبي علي الغساني قال: روى عنه أنه قال خرجت الصحيح من ستمائة ألف حديث، وروى الإسماعيلي عنه قال لم أخرج في هذا الكتاب إلا صحيحاً، وما تركت من الصحيح أكثر- هدي الساري مقدمة فتح الباري ج 1 ص 7.
  • و من منهج البخاري تقطيع الأحاديث و تكرارها و أحياناً يسوق الحديث والواحد بأكثر من إسناد،و كل ذلك لفائدة زائدة؛ حتى يستفيد منه طالب العلم في الفقه و الحديث و التفسير، قال الحافظ ابن حجر في الفتح: قال الحافظ أبو الفضل محمد بن طاهر المقدسي -فيما رويناه عنه في جزء سماه جواب المتعنت-: أعلم أن البخاري رحمه الله كان يذكر الحديث في كتابه في مواضع ويستدل به في كل باب بإسناد آخر، ويستخرج منه بحسن استنباطه وغزارة فقهه معنى يقتضيه الباب الذي أخرجه فيه، وقلما يورد حديثا في موضعين بإسناد واحد ولفظ واحد، وإنما يورده من طريق أخرى لمعان- نذكرها والله أعلم بمراده منها- فمنها أنه يخرج الحديث عن صحابي ثم يورده عن صحابي آخر، والمقصود منه أن يخرج الحديث عن حد الغرابة، وكذلك يفعل في أهل الطبقة الثانية والثالثة وهلم جرا إلى مشايخه؛ فيعتقد من يرى ذلك من غير أهل الصنعة أنه تكرار وليس كذلك لاشتماله على فائدة زائدة منها:
  • أنه صحح أحاديث على هذه القاعدة يشتمل كل حديث منها على معان متغايرة؛ فيورده في كل باب من طريق غير الطريق الأولى
  • أحاديث يرويها بعض الرواة تامة ويرويها بعضهم مختصرة فيوردها كما جاءت ليزيل الشبهة عن ناقليها.
  • أن الرواة ربما اختلفت عباراتهم فحدث راو بحديث فيه كلمة تحتمل معنى وحدث به آخر فعبر عن تلك الكلمة بعينها بعبارة أخرى تحتمل معنى آخر فيورده بطرقه إذا صحت على شرطه ويفرد لكل لفظة بابا مفردا
  • أحاديث تعارض فيها الوصل والإرسال ورجح عنده الوصل فاعتمده وأورد الإرسال منبها على أنه لا تأثير له عنده في الوصل
  • أحاديث تعارض فيها الوقف والرفع والحكم فيها كذلك
  • أحاديث زاد فيها بعض الرواة رجلا في الإسناد ونقصه بعضهم فيوردها على الوجهين حيث يصح عنده أن الراوي سمعه من شيخ حدثه به عن آخر ثم لقي الآخر فحدثه به فكان يرويه على الوجهين
  • أنه ربما أورد حديثا عنعنه راويه فيورده من طريق أخرى مصرحا فيها بالسماع على ما عرف من طريقته في اشتراط ثبوت اللقاء في المعنعن فهذا جميعه فيما يتعلق بإعادة المتن الواحد في موضع آخر أو أكثر ،وأما تقطيعه للحديث في الأبواب تارة واقتصاره منه على بعضه أخرى فذلك لأنه إن كان المتن قصيرا أو مرتبطا بعضه ببعض، وقد اشتمل على حكمين فصاعدا فإنه يعيده بحسب ذلك مراعيا مع ذلك عدم إخلائه من فائدة حديثية وهي:
  • إيراده له عن شيخ سوى الشيخ الذي أخرجه عنه قبل ذلك كما تقدم تفصيله فتستفيد بذلك تكثير الطرق لذلك الحديث، وربما ضاق عليه مخرج الحديث حيث لا يكون له إلا طريق واحدة فيتصرف حينئذ فيه فيورده في موضع موصولا وفي موضع معلقا، ويورده تارة تاما وتارة مقتصرا على طرفه الذي يحتاج إليه في ذلك الباب؛ فان كان المتن مشتملا على جمل متعددة لا تعلق لإحداها بالأخرى فإنه منه بحسن استنباطه وغزارة فقهه معنى يقتضيه الباب الذي أخرجه فيه ،وقلما يورد حديثا في موضعين بإسناد واحد ولفظ واحد؛ وإنما يورده من طريق أخرى- هدي الساري مقدمة فتح الباري (1/15).
أما بخصوص أحاديث التفسير أعلم أيها القارئ الكريم أن القرآن أنزل بلغة العرب على العرب حتى يفهموه و يعملوا بمقتضاه، و ليس من المعقول أن يخاطب الله - تعالى- قوم بلغة لايفهموها(يحتاج كل حرف أو نص منها إلى شرح و تفصيل و تفسير) و إلا سقط عنهم التكليف ، و إنما بين النبي – صلى الله عليه وسلم – ما احتيج لبيان وقت نزول الوحي  كالأحكام المجملة مثل الزكاة والصلاة وغيرها، و فيما عدا ذلك فإن الصحابة كانوا يفهمون ذلك بسليقتهم، و إنما ألفت كتب التفسير في العصور التي بعد عصر النبي- صلى الله عليه و سلم – لما احتيج لذلك، فإذا علمنا هذا زالت الشبهة و خسأ المبطلون.